فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة المدثر صلى الله عليه وسلم:
مكية.
وهي ست وخمسون آية.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت على جبل حراء: فنوديت يا محمد إنك رسول الله. فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئا، فنظرت إلى فوقي فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت: دثروني دثروني فدثرته خديجة فجاء جبريل وقرأ {يا أيّها المدثر}» أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار.
والشعار: الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فأدغم {قُمْ} من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم {فأنذِرْ} فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا، أو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد.
وقيل: سمع من قريش ما كرهه فاغتم فتغطى بثوبه مفكرا كما يفعل المغموم فقيل له: يا أيها الصارف أذى الكفار عن نفسك بالدثار، قم فاشتغل بالأنذار وإن آذاك الفجار {وربّك فكبِّرْ} واختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك غيره وقل عندما يعروك من غير الله: الله أكبر.
ورُوي أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر» فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي، وقد يحمل على تكبير الصلاة.
ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره.
{وثِيابك فطهِّرْ} بالماء من النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها وهي الأولى في غير الصلاة، أو فقصر مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب وجرّهم الذيول إذ لا يؤمن معه إصابة النجاسة، أو طهر نفسك مما يستقذر من الأفعال يقال: فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بالنقاء من المعايب، وفلان دنس الثياب للغادر ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره ظاهرا {والرجز} بضم الراء: يعقوب وسهل وحفص، وغيرهم بالكسر العذاب والمراد ما يؤدي إليه {فاهجر} أي أثبت على هجره لأنه كان بريئا منه {ولا تمْنُن تسْتكْثِرُ} بالرفع وهو منصوب المحل على الحال أي لا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا أكثر مما أعطيت فإنك مأمور بأجلّ الأخلاق وأشرف الآداب، وهو من منّ عليه إذا أنعم عليه.
وقرأ الحسن {تسْتكْثِرُ} بالسكون جوابا للنهي {ولِربِّك فاصبر} ولوجه الله فاستعمل الصبر على أوامره ونواهيه وكل مصبور عليه ومصبور عنه {فإِذا نُقِر في الناقور} نفخ في الصور وهي النفخة الأولى وقيل الثانية {فذلك} إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ {يوْمئِذٍ} مرفوع المحل بدل من {ذلك} {يوْمٌ عسِيرٌ} خبر كأنه قيل: فيوم النقر يوم عسير.
والفاء في {فإِذا} للتسبيب وفي {فذلِك} للجزاء كأنه قيل: اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى عاقبة صبرك عليه.
والعامل في {فإِذا} ما دل عليه الجزاء أي فإذا نقر في الناقور عسر الأمر {على الكافرين غيْرُ يسِيرٍ} وأكد بقوله: {غيْرُ يسِيرٍ} ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا.
{ذرْنِى ومنْ خلقْتُ} أي كله إليّ يعني الوليد بن المغيرة وكان يلقب في قومه بالوحيد و{مِنْ خلقت} معطوف أو مفعول معه {وحِيدا} حال من الياء في {ذرْنِى} أي ذرني وحدي معه فإني أكفيك أمره، أو من التاء في {خلقت} أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد، أو من الهاء المحذوفة، أو من أي خلقته منفردا بلا أهل ولا مال ثم أنعمت عليه {وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا} مبسوطا كثيرا أو ممدودا بالنماء وكان له الزرع والضرع والتجارة.
وعن مجاهد: كان له مائة ألف دينار.
وعنه أن له أرضا بالطائف لا ينقطع ثمرها {وبنِين شُهودا} حضورا معه بمكة لغناهم عن السفر وكانوا عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة {ومهّدتُّ لهُ تمْهِيدا} وبسطت له الجاه والرياسة فأتممت عليه نعمتي الجاه والمال واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا {ثُمّ يطْمعُ أنْ أزِيد} استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه فيرجو أن أزيد في ماله وولده من غير شكر.
وقال الحسن: أن أزيد أن أدخله الجنة فأوتيه مالا وولدا كما قال: {لأوتين مالا وولدا} {كلاّ} [مريم: 77] ردع له وقطع لرجائه أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم، فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه حتى هلك {إِنّهُ كان لآياتنا} للقرآن {عنِيدا} معاندا جاحدا وهو تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلا قال: لم لا يزاد؟ فقيل: إنه جحد آيات المنعم وكفر بذلك نعمته والكافر لا يستحق المزيد {سأُرْهِقُهُ} سأغشيه {صعُودا} عقبة شاقة المصعد وفي الحديث: «الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبد» {إِنّهُ فكّر} تعليل للوعيد كأن الله تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز لعناده، ويعاقبه في الآخرة بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته، وتسميته القرآن سحرا يعني أنه فكر ماذا يقول في القرآن {وقدّر} في نفسه ما يقوله وهيأه.
{فقُتِل} لعن {كيْف قدّر} تعجيب من تقديره {ثُمّ قُتِل كيْف قدّر} كرر للتأكيد و{ثم} يشعر بأن الدعاء الثاني أبلغ من الأول {ثُمّ نظر} في وجوه الناس أو فيما قدر {ثُمّ عبس} قطب وجهه {وبسر} زاد في التقبض والكلوح {ثُمّ أدْبر} عن الحق {واستكبر} عنه أو عن مقامه وفي مقاله.
و{ثُمّ نظر} عطف على {فكّر وقدّر} والدعاء اعتراض بينهما، وإيراد {ثم} في المعطوفات لبيان أن بين الأفعال المعطوفة تراحيا {فقال إِنْ هذا} ما هذا {إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثرُ} يروى عن السحرة.
رُوي أن الوليد قال لبني مخزوم: (والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلأوة، وإن عليه لطلأوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى).
فقالت قريش: صبأ والله الوليد.
فقال أبو جهل وهو ابن أخيه: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام الوليد، فأتاهم فقال: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ فقالوا في كل ذلك: اللهم لا.
ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ وما الذي يقوله إلا سحر يؤثر عن مسيلمة وأهل بابل، فارتج النادي فرحا وتفرقوا متعجبين منه.
وذكر الفاء دليل على أن هذه الكلمة لما خطرت بباله نطق بها من غير تلبث {إِنْ هذا إِلاّ قول البشر} ولم يذكر العاطف بين هاتين الجملتين لأن الثانية جرت مجرى التوكيد للأولى.
{سأُصْلِيهِ} سأدخله بدل من {سأُرْهِقُهُ صعُودا} {سقر} علم لجهنم ولم ينصرف للتعريف والتأنيث {وما أدْراك ما سقرُ} تهويل لشأنها {لا تُبْقِى} أي هي لا تبقى لحما {ولا تذرُ} عظما أو لا تبقى شيئا يبقى فيها إلا أهلكته ولا تذره هالكا بل يعود كما كان {لواحةٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هي لواحة {لِّلْبشرِ} جمع بشرة وهي ظاهرة الجلد أي مسوّدة للجلود ومحرقة لها {عليْها} على سقر {تِسْعة عشر} أي يلي أمرها تسعة عشر ملكا عند الجمهور.
وقيل: صنفا من الملائكة.
وقيل: صفا.
وقيل: نقيبا {وما جعلْنا أصحاب النار} أي خزنتها {إِلاّ ملائكة} لأنهم خلاف جنس المعذبين فلا تأخذهم الرأفة والرقة لأنهم أشد الخلق بأسا فللواحد منهم قوة الثقلين.
{وما جعلْنا عِدّتهُمْ} تسعة عشر {إِلاّ فِتْنة} أي ابتلاء واختبار {لِلّذِين كفرُواْ} حتى قال أبو جهل: لما نزلت {عليْها تِسْعة عشر} أما يستطيع كل عشر منكم أن يأخذوا واحدا منهم وأنتم الدهم، فقال أبو الأشد وكان شديد البطش: أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين فنزلت {وما جعلْنا أصحاب النار إِلاّ ملائكة} أي وما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون.
وقالوا: في تخصيص الخزنة بهذا العدد مع أنه لا يطلب في الأعداد العلل أن ستة منهم يقودون الكفرة إلى النار، وستة يسوقونهم، وستة يضربونهم بمقامع الحديد، والآخر خازن جهنم وهو مالك وهو الأكبر.
وقيل: في سقر تسعة عشر دركا وقد سلط على كل درك ملك.
وقيل: يعذب فيها بتسعة عشر لونا من العذاب وعلى كل لون ملك موكل.
وقيل: إن جهنم تحفظ بما تحفظ به الأرض من الجبال وهي تسعة عشر وإن كان أصلها مائة وتسعين إلا أن غيرها يشعب عنها {لِيسْتيْقِن الذين أوتُواْ الكتاب} لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله {ويزْداد الذين ءامنُواْ} بمحمد وهو عطف على {لِيسْتيْقِن} {إيمانا} لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل، أو يزدادوا يقينا لموافقة كتابهم كتاب أولئك {ولا يرْتاب الذين أوتُواْ الكتاب والمؤمنون} هذا عطف أيضا، وفيه توكيد للاستيقان وزيادة الإيمان إذ الاستيقان وازدياد الإيمان دالان على انتفاء الارتياب.
ثم عطف على {لِيسْتيْقِن} أيضا.
{ولِيقول الذين في قُلوبِهِم مّرضٌ} نفاق {والكافرون} المشركون فإن قلت: النفاق ظهر في المدينة والسورة مكية.
قلت: معناه وليقول المنافقون الذين يظهرون في المستقبل بالمدينة بعد الهجرة والكافرون بمكة {ماذا أراد الله بهذا مثلا} وهذا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب وذا لا يخالف كون السورة مكية.
وقيل: المراد بالمرض الشك والارتياب لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين.
و{مثلا} تمييز لهذا أو حال منه كقوله: {هذه ناقةُ الله لكُمْ ءاية} [الأعراف: 73] [هود: 64] ولما كان ذكر العدد في غاية الغرابة وأن مثله حقيق بأن تسير به الركبان سيرها بالأمثال سمي مثلا، والمعنى أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي معنى أراد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين، وغرضهم إنكاره أصلا وأنه ليس من عند الله وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص {كذلِك يُضِلُّ الله من يشاء} الكاف نصب و{ذلك} إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا، وهدي المؤمنين بتصديقه، ورؤية الحكمة في ذلك يضل الله من يشاء من عباده وهو الذي علم منه اختيار الضلال {ويهْدِى من يشاءُ} وهو الذي علم منه اختيار الاهتداء، وفيه دليل خلق الأفعال ووصف الله بالهداية والإضلال.
لما قال أبو جهل لعنه الله: أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر نزل {وما يعْلمُ جُنُود ربِّك} لفرط كثرتها {إِلاّ هو} فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها {وما هِى} متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي وما سقر وصفتها {إِلاّ ذكرى لِلْبشرِ} أي تذكرة للبشر أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها.
{كلاّ} إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون {والقمر} أقسم به لعظم منافعه {واليل إِذْ أدْبر} نافع وحفص وحمزة ويعقوب وخلف.
وغيرهم {إِذا دبرٍ} ودبر بمعنى أدبر ومعناهما ولى وذهب.
وقيل: أدبر ولى ومضى، ودبر جاء بعد النهار {والصبح إِذا أسْفر} أضاء وجواب القسم.
{إِنّها} إن سقر {لإِحْدى الكبر} هي جمع الكبرى أي لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر، ومعنى كونها إحداهن أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها كما تقول: هو أحد الرجال وهي إحدى النساء {نذِيرا} تمييز من {إِحْدى} أي إنها لإحدى الدواهي إنذارا كقولك: هي إحدى النساء عفافا.
وأبدل من {لّلْبشرِ لِمن شاء مّنكُمْ} بإعادة الجار {أن يتقدّم} إلى الخير {أو يتأخّر} عنه.
وعن الزجاج: إلى ما أمر وعما نهى.
{كُلُّ نفْسٍ بِما كسبتْ رهِينةٌ} هي ليست بتأنيث {رهين} في قوله: {كُلُّ امرئ بِما كسب رهينٌ} [الطور: 21] لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين، لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك {إِلاّ أصحاب اليمين} أي أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها، أو إلا المسلمين فإنهم فكوا رقابهم بالطاعة كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق {فِي جنات} أي هم في جنات لا يكتنه وصفها {يتساءلون عنِ المجرمين} يسأل بعضهم بعضا عنهم أو يتساءلون غيرهم عنهم {ما سلككُمْ في سقر} أدخلكم فيها.
ولا يقال لا يطابق قوله: {ما سلككُمْ} وهو سؤال للمجرمين قوله: {يتساءلون عنِ المجرمين} وهو سؤال عنهم، وإنما يطابق ذلك لو قيل يتساءلون المجرمين ما سلككم، لأن {ما سلككُمْ} ليس ببيان للتساؤل عنهم وإنما هو حكاية قول المسؤولين عنهم، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون: قلنا لهم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين، إلا أنه اختصر كما هو نهج القرآن.
وقيل: (عن) زائدة.
{قالواْ لمْ نكُ مِن المصلين} أي لم نعتقد فرضيتها {ولمْ نكُ نُطْعِمُ المسكين} كما يطعم المسلمون {وكُنّا نخُوضُ مع الخائضين} الخوض: الشروع في الباطل.
أي نقول الباطل والزور في آيات الله {وكُنّا نُكذِّبُ بِيوْمِ الدين} الحساب والجزاء {حتى أتانا اليقين} الموت {فما تنفعُهُمْ شفاعة الشافعين} من الملائكة والنبيين والصالحين لأنها للمؤمنين دون الكافرين.
وفيه دليل ثبوت الشفاعة للمؤمنين في الحديث: «إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر» {فما لهُمْ عنِ التذكرة} عن التذكير وهو العظة أي القرآن {مُعْرِضِين} مولين حال من الضمير نحو: مالك قائما {كأنّهُمْ حُمُرٌ} أي حمر الوحش حال من الضمير في {مُعْرِضِين} {مُّسْتنفِرةٌ} شديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها.
وبفتح الفاء: مدني وشامي أي استنفرها غيرها {فرّتْ مِن قسْورةٍ} حال و(قد) معها مقدرة.
والقسورة: الرماة أو الأسد فعولة من القسر وهو القهر والغلبة، شبهوا في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر بحمر جدت في نفارها.
{بلْ يُرِيدُ كُلُّ امرئ مّنْهُمْ أن يؤتى صُحُفا مُّنشّرة} قراطيس تنشر وتقرأ وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها: من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر فيها باتباعك.
ونحوه قوله: {لن نُّؤْمِن لِرُقِيّك حتّى تُنزّل عليْنا كِتابا نّقْرؤُهُ} [الإسراء: 93] وقيل: قالوا إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار {كلاّ} ردع لهم عن تلك الإرادة وزجر عن اقتراح الآيات.
ثم قال: {بل لاّ يخافُون الآخرة} فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف {كلاّ إِنّهُ تذْكِرةٌ} ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال: إن القرآن تذكرة بليغة كافية {فمن شاء ذكرهُ} أي فمن شاء أن يذكره ولا ينساه فعل.
فإن نفع ذلك عائد إليه {وما يذْكُرُون} وبالتاء: نافع ويعقوب {إِلاّ أن يشاء الله} إلا وقت مشيئة الله وإلا بمشيئة الله {هو أهْلُ التقوى وأهْلُ المغفرة} في الحديث: «هو أهل أن يتقي وأهل أن يغفر لمن اتقاه» والله أعلم. اهـ.